الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أكمل دين الإسلام ورضيه لعباده وأتم عليهم به النعمة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3] .
أحمد سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه المتمسكين بشرعه ودينه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم محمد ﷺ فمن تمسك بهما فإنه آمن من الضلال في الدنيا ومن الشقاء في الآخرة قال الله تعالى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [طه: 123] وقال عليه الصلاة والسلام: تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِن تَمَسَّكتُم بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ فمن أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فهو خاسر في الدنيا والآخرة فهو في الدنيا في نكد وقلق وضنك في المعيشة وفي الآخرة يحشر أعمى نسي آيات الله في الدنيا فلم يرفع بها رأسا فنسي في الآخرة قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه: 124-126].
أيها المسلمون لقد شاع عند العامة وأشباههم تعظيم ليلة النصف من شعبان وتعظيم يومها بعض الناس يخص هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان بقيام من بين الليالي وبعض الناس يخص يومها بصيام من بين الأيام وبعض الناس في غير هذه البلاد يخصون هذه الليلة باحتفالات وبعض الناس يصلي في هذه الليلة على كيفية خاصة كأن يصلي اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] ثلاثين مرة وبعضهم يصلي أربع عشرة ركعة وبعضهم يخص هذه الليلة بصلاة ست ركعات بين العشاءين ويقرأ سورة يس ويدعو بين ذلك وبعضهم يجلس في هذه الليلة ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين مرات عديدة.
وهذه الأمور لم يثبت أن النبي ﷺ فعلها في ليلة النصف من شعبان ولا أمر بها ولا استحبها ولا فعلها الخلفاء الراشدون ولا الصحابة ولا أتباعهم بإحسان ولا أئمة الدين المقتدى بهم وما يذكر فيها من الآثار فإنها لا تثبت.
فالواجب على المسلم ترك هذه الأمور والاستغناء عنها بكتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ.
ولقد بين العلماء رحمهم الله هذه الأمور وحذروا منها استنادًا إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ قال عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة رحمه الله: وقد رويت صلاة نصف شعبان على وجهين آخرين موضوعين أيضا ذكرهما أبو الفرج في كتابه الأول عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: من صلى ليلة النصف من شعبان اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] ثلاثين مرة لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة ويشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار
والثاني عن علي قال: ((رأيت رسول الله ﷺ ليلة النصف من شعبان فقام فصلى أربع عشرة ركعة ثم جلس فقرأ بأم القرآن أربع عشرة ركعة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] أربع عشرة مرة وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق: 1] أربع عشرة مرة وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس: 1] أربع عشرة مرة وآية الكرسي أربع عشرة مرة ولَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] وقال من صنع هكذا كان له كعشرين حجة مبرورة وكصيام عشرين سنة مقبولة فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان له كصيام ستين سنة ماضية وصيام ستين سنة مستقبلة)).
قال أبو الفرج في الأول في الحديث الأول وهذا حديث موضوع يعني مكذوب على رسول الله ﷺ وفيه جماعة مجهولون وقال في الثاني في الحديث الثاني وهذا موضوع أيضًا وإسناده مظلم.
ومن البدع في هذه الليلة ليلة النصف من شعبان صلاة ست ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع البلاء وطول العمر والاستغناء عن الناس وقراءة يس والدعاء بين ذلك وهذا حدث في الدين ومخالفة لسيد المرسلين ﷺ.
أيها المسلمون، ويعتقد بعض الناس أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر وهذا باطل باتفاق المحققين من المحدثين كما بين بطلان ذلك رحمه الله في تفسيره وقال ابن العربي في شرح الترمذي وقد ذكر بعض المفسرين أن قول الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] أنها في ليلة النصف من شعبان والله تعالى لم ينزل القرآن في شعبان وإنما ليلة القدر في رمضان قال تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185] فهذا كلام من تعدى على كتاب الله ولم يبال بما تكلم.
ونحن نحذركم من ذلك فإنه قال أيضا فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وإنما تقرر الأمور الملائكة في ليلة القدر المباركة لا في ليلة النصف من شعبان.
أيها المسلمون، إن الصيام في الجملة مشروع وصيام شعبان مشروع فتخصيص يوم النصف بالصيام وتخصيص ليلته بالقيام هذا هو الذي ليس عليه دليل وهذا هو المنكَر.
فاتقوا الله أيها المسلمون وآثروا الاتباع على الابتداع عملا بقول الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف: 3] وقوله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].
وقد أجمع العلماء على أن الواجب رد ما تنازع فيه النساء من المسائل إلى الله وإلى سنة رسول الله ﷺ فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الاتباع وما خالفهما وجب اطراحه وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله فضلا عن الدعوة إليه.
ومن ذلك ما يفعله بعض الناس في بلاد مختلفة إلى الآن من الاجتماع في المساجد عقب صلاة المغرب مباشرة من ليلة النصف من شعبان وترديد دعاء معيَّن خلف إمام المسجد وقراءة سورة يس عدة مرات ويعتقدون أن من لم يشارك أقرب إلى الموت من الحياة لذلك يندم أشد الندم إذا انقضى هذا العمل وهو لم يشارك فيه ويقر هذا العمل بعض أئمة المساجد ويشاركون العوام في إحياء هذه الليلة والله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59] ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: 10] ويقول تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف: 3] ويقول سبحانه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].
وَخَيرُ الأُمُورِ السَّالِفَاتُ عَلَى الهُدَى | وَشَرُّ الأُمُورِ المُحْدَثاتُ البَدَائِعُ |
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى وتقربوا إلى الله بما شرعه في كتابه وفي سنة رسوله ﷺ واحذروا أن تتقربوا إلى الله بالبدع فإنها تبعدكم من الله ولا تقربكم منه البدع هي الحدث في الدين.
ومن البدع إحياء ليلة النصف من شعبان وصيام يومها إحياء ليلها بالقيام وصيام نهارها بالصيام تخصيص هذه الليلة وتخصيص هذا اليوم هذا من البدع المحدثة الذي ليس عليه دليل صحيح كما سمعتم.
وأما الصيام فإنه مشروع في الجملة للمسلم في كل شهر يصوم الإثنين والخميس وأيام البيض وكذلك صيام شهر شعبان ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا فإذا صامه أو كثيرا منه وأفطر أياما يسيرة من آخره فلا حرج أما تخصيص ليلة النصف وتخصيص ليلتها بقيام أو بدعاء أو بأذكار أو بقراءة أو غير ذلك فإن هذا من البدع التي تبعد من الله ولا تقرب منه.
تقربوا إلى الله بتلاوة كتابه والعمل بما فيه اقرؤوا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ تأملوا معانيهما تفقهوا في أحكامهما تحاكموا إليهما حاكموهما في كل شأن من شؤونكم حتى تكونوا أعزاء في الدنيا وسعداء في الآخرة.
وإِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
والزموا جماعة المسلمين في معتقداتهم وفي عباداتهم وفي بلدانهم وأوطانهم فإن يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ ومن شذ عنهم في الدنيا شذ في النار يوم القيامة.
ألا وصلوا على محمد ﷺ فإن الله أمركم بذلك حيث قال إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].