الخطبة الأولى
الحمد لله الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، حكم بالفناء على أهل هذه الدار، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم تذهل فيه العقول، وتشخص فيه الأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، ومن تبعهم بإحسان في آناء وأناء النهار وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتدبروا قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:18/20].
تدبروا هذه الآيات الكريمات، إن الله يخاطب المؤمنين باسم الإيمان، فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:18]، يا أيها الذين آمنوا بالله، وبرسله عمومًا، وبمحمد خصوصًا، اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18]، الزموا تقوى الله، وتقوى الله هي: عبادته وإخلاص الدين له، وأداء حقه، والقيام بأمره سبحانه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، يعني: تنظر كل نفس من نفوس المكلفين من بني آدم ومن الجن، لتنظر كل نفس ما قدمت لغد، والغد هو اليوم الذي يأتي بعد يومك، وهو يوم القيامة؛ لأن الدنيا هي اليوم الأول، والآخرة هي اليوم الآخر وهو الغد، نحن اليوم في الدنيا وغدًا في الآخرة، والله تعالى يخاطبنا ويأمرنا بتقواه، وأن تنظر كل نفس ما قدمته لليوم الآخر، ليوم الغد، وهو يوم القيامة، ما الذي قدمته؟ ما الذي قدمته من الأعمال؟ من التوحيد؟ من إخلاص الدين له؟ من القيام بحقه، القيام بأمره لتنظر كل نفس ما قدمت لغد.
ثم أمر الله تعالى بالتقوى مرة أخرى فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]، فهو خبير بأعمالنا ونياتنا وأقوالنا وأفعالنا، والمعنى: أن الله خبير بأعمالكم وسيجازيكم عليها يوم القيامة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7/8].
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]، هذا نهي من الله تعالى أن نكون كالذين نسوا الله، نَسُوا اللَّهَ: نسوا أوامره فلم يمتثلوها، ونسوا نواهيه فاجترحوها وفعلوها.
فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]: جعلهم ينسون أنفسهم عقوبة لهم، فالجزاء من جنس العمل، كما أنهم نسوا الله، نسوا أوامره ونواهيه، فالله تعالى عاقبهم وجازاهم بأن أنساهم أنفسهم.
أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19]، الخارجون عن طاعة الله .
لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ [الحشر:20]، لا يستويان ولا يلتقيان، أصحاب النار في جحيم وفي عذاب يتقلبون بأنواع الجحيم والعذاب، وأصحاب الجنة في نعيم وسرور، يتقلبون في أنواع السرور والنعيم، لا يستويان.
لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20]، وهذا هو الفوز الحقيقي، فازوا برضوان الله، فازوا برحمة الله، فازوا بجنة الله وكرامته، فهذا هو الفوز الحقيقي، ليس هو الفوز في مكسب دنيوي.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن لكل واحد منا نهاية وأجلًا لا بد أن يوافيه، وربما كان أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، أما ترون يد المنون مرسلة تخطف أرواح الناس رفيعها ووضيعها، كبيرها وصغيرها وهم لا يشعرون، وكل واحد في هذه الدنيا وإن طال لا بد له من انتهاء، وكل حي فيها صائر إلى الفناء، فلا ينبغي أن تشغلنا الدنيا عن ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، فهو المعروف بالهجوم على غرة، ولا ينبغي أن تصدنا الدنيا عنه، فقد يفد الموت على الواحد منا بين أطفاله ونسائه وأعز الناس إليه، فيستله من بينهم، فلا يترك له كبدًا إلا جرحها، ولا قلبًا إلا أدماه، لا يبالي بدموعهم السائلة، ولا بنفوسهم المتصدعة، فكفى بالموت واعظًا، فعلينا أن نكثر من ذكره، وأن نطيل النظر فيما بعده، فإن تذكر الموت الحقيقي يدعوا إلى الاستعداد، ويصرف المرء عن الشرور والفساد، ويهون كثيرًا من هموم الدنيا ومتاعبها ومآسيها، ويرغب في الآخرة التي كلها للمؤمنين راحة وهناء، وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].
ولأجل هذه المعاني وغيرها أمر النبي ﷺ بالإكثار من ذكره فقال: أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت.
أيها المسلمون، تذكروا ما بعد الموت وهو القبر، وما فيه من الأهوال العظيمة، واستمعوا إلى حديث البراء الذي يصور لنا حالة الإنسان المؤمن وحالة الإنسان الفاجر في كيفية قبض روح كل منهما، وسؤال الملكين لهما، وتمثل عمل كل واحد منهما له، وصعود روحه إلى السماء، وفتح باب إليه من الجنة أو النار، وتوسيع قبره وتضييقه عليه.
عن البراء بن عازب قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي ﷺ فقعد وقعدنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير، وهو يلحد له، فقال: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» "ثَلَاث مرات"، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي إِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، وانقطاع من الدنيا نَزَلَت إِلَيْهِ المَلَائِكَةٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، فجْلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ». قَالَ: «فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيّ السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ». قَالَ: «فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبة؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِه فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِها إِلَى السَّمَاءِ التي فيها الله، فَيَقُولُ اللهُ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى». قَالَ: «فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ". قَالَ: " فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ». قَالَ: «وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الذي يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي». قَالَ: «وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ». قَالَ: «فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمَسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ خَبِيثَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] فَيَقُولُ اللهُ " اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ". ثُمَّ قَرَأَ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ، فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31] " فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوه لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الذي يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ.
روى هذا الحديث الإمام أحمد، ورواه أبو داود، وروى النسائي وابن ماجة أوله، ورواه الحاكم وأبو عوانة الإسفراييني في صحيحهما، وابن حبان، وذهب إلى موجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث، وله شواهد من الصحيح.
فاتقوا الله عباد الله، واستعدوا للقاء الله بالعمل الصالح الذي يزحزحكم من النار، وتسعدون به في دار السعداء والأبرار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
رزقني الله وإياكم الاستعداد للقدوم عليه، وأعاذنا من الغفلة والإعراض، وجعلنا من أهل اليقظة والاتعاظ.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ووفقنا للعمل الصالح والتوبة النصوح.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فتوبوا إليه واستغفروا يتب عليكم ويغفر لكم إنه هو التواب الرحيم الغفور.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طبيًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله من خلقه صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسلميًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الناس! اتقوا الله تعالى، وقد سمعتم مصير الإنسان ومستقبله، وماذا ينتظره؟! فجدير بالعاقل، وجدير باللبيب الذي يرجو فكاك نفسه أن يعد لهذا المستقبل ولهذا السفر عدته، وإن عدة هذا السفر وهو السفر إلى الآخرة، نحن مسافرون، نحن في سفر إلى الآخرة، وإن عدة هذا السفر هو العمل الصالح، وتقوى الله تعالى، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، بأداء الفرائض وترك المحارم.
وإن من أعظم تقوى الله المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في المساجد، فإن الصلاة أمرها عظيم وخطرها جسيم، والصلاة هي أفرض الفرائض وأوجب الواجبات بعد توحيد الله ، وهي أول ما يحاسب الإنسان عنها إذا وضع في قبره، وهي الفارق بين المسلم والكافر، فجدير بالمسلم أن يتقي الله ، وأن يعتني بهذه الصلاة ويهتم بها، ويحافظ عليها بأدائها في أوقاتها، بأدائها بشروطها وأركانها وهيئاتها ومستحباتها، جماعة في المساجد، كما أمر الله وكما أمر رسوله ﷺ في قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي.
حافظوا على الصلوات الخمس، يقول الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، قال : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1/2]، وذكر من صفات المؤمنين أنهم على صلواتهم يحافظون.
فاتق الله أيها المسلم، وأعد لهذا السفر عدته، بالعمل الصالح، بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، وأداء الحقوق، والوفاء بالعقود، فإن كثيرًا من الناس لا يبالي بحقوق الناس، ولا يؤدي حقوق الناس، الواجب على المسلم أن يؤدي ما أوجب الله عليه، وأن يؤدي حقوق الله وحقوق العباد، وأن يلقى ربه تائبًا من الذنوب والمعاصي مؤديًا لحقوق الله، وحقوق الناس، هذا هو الذي ينبغي للمسلم الذي يرجو فكاك نفسه، والذي يتقي الله ، يتقيه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، بأداء حقه وحقوق عباده.
هذا هو السفر الذي يعده الإنسان للآخرة، توحيد الله ، والإيمان الصادق والعمل الصالح، العدة لهذا السفر: الإيمان الصادق والعمل الصالح والتوبة النصوح وأداء الحقوق وأداء الواجبات وترك المحرمات، أداء حقوق الله وحقوق العباد، بهذا يكون الإنسان قد أعد العدة لهذا السفر وهو السفر إلى الآخرة.
فاتقوا الله عباد الله واقرأوا كتاب ربكم وسنة نبيكم ﷺ، اقرأوهما، وتعلموا معانيهما، وتفقهوا في أحكامهما، وتحاكموا إليهما، وحكموهما في كل شأن من شئونكم؛ بذلك تكونون من المتقين، وتكونون أعزاء في الدنيا، وسعداء في الآخرة.
وإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والزموا جماعة المسلمين في معتقداتهم، وفي عباداتهم، وفي بلدانهم وأوطانهم، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم في الدنيا شذ في النار يوم القيامة.
ألا وصلوا على محمد ﷺ، فإن الله أمركم بذلك حيث قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال ﷺ: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين المؤمنين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمرنا، وأصلح ولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير، وتذكرهم بما نسوا يا رب العالمين.
اللهم اجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
اللهم ولي على المسلمين خيارهم، اللهم ولي على المسلمين خيارهم، اللهم ولي على المسلمين خيارهم، وأبعد عنهم شرارهم بمشارق الأرض ومغاربها، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم انصر إخواننا أهل السنة في الشام، اللهم انصر إخواننا أهل السنة في الشام، اللهم وحد صفوفهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم قو عزائمهم، اللهم فقهم في دينك، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وداو جرحاهم، وفك أسراهم، وأطعم جائعهم، اللهم عليك بأعدائهم الكفرة (بشار وأعوانه)، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، الهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وشتت شملهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وخالف بين قلوبهم وكلمتهم، اللهم إنهم سفكوا الدماء، ورملوا النساء، ويتموا الأيتام، ودفنوا الأحياء، وادعوا الربوبية والألوهية، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم فرق كلمتهم، اللهم خالف بين قلوبهم وكلمتهم، اللهم اجعل الغلبة لإخواننا أهل السنة في الشام، اللهم أنزل على هؤلاء الكفرة بأسك ورجزك إله الحق، اللهم أنزل عليهم بأسك ورجزك إله الحق.
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم انصر دعاة الخير وأئمة الهدى، والمجاهدين في سبيلك، والدعاة إلى سبيلك، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في كل مكان.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم أدر عليه دائرة السوء، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.